News

عقوق أبناء يدفع مسنين إلى أروقة المحاكم

03-07-2022

نادين النمري
عمان – أمام قاضي محكمة البداية الشرعية في الزرقاء، وقف عبدالرحمن (اسم مستعار) في مواجهة مع أبنائه وبناته الخمسة في قضية نفقة، حركها ضدهم، بعد أن تمنعوا عن الإنفاق عليه برغم فقره، وقدرتهم على إعالته.
تقابل الأبناء مع والدهم أمام القاضي، معللين تمنعهم عن الإنفاق عليه لقراره الزواج بسيدة أخرى، وسوء معاملته لهم وهم أطفال من ضرب وتأنيب. لم يكن من الرجل المسن سوى أن وقف مكسورا أمام كلمات أبنائه، محاولا تذكيرهم بما قدمه لهم في سنوات عمره، وأن خلافه مع والدتهم، لم يكن انتقاما أو عقابا لهم.
بحسب محامي عبدالرحمن، الدكتور عاكف المعايطة، فإن عبدالرحمن لم يكن قادرا حتى توكيل محام، وجرى التوكيل عن طريق مراكز المساعدة القانونية، لافتا إلى أن المحكمة حكمت للاب بـ115 دينارا شهريا كنفقة من الأبناء الخمسة، وهو مبلغ بحسب المعايطة “بسيط ولا يغطي حاجات الأب الأساسية”.
وبرغم عدم صدور التقرير السنوي لدائرة قاضي القضاة للعام 2021، والذي يتضمن إحصائيات القضايا المنشورة أمام المحاكم الشرعية، لكنه وبحسب تقرير العام 2020 ارتفعت دعاوى نفقة الآباء والأمهات، فسجلت المحاكم الشرعية 547 دعوى مقابل 505 دعاوى في عام 2019، وبارتفاع نسبته 8.3 %، كما ارتفع متوسط الحكم بنفقة الآباء والأمهات الى 66.7 دينار مقابل 64.8 دينار عام 2019.
يصف المعايطة قضايا النفقة التي يرفعها الآباء على الأبناء، بأنها من أكثر القضايا ايلاما عندما يقف الأب في مواجهة أبنائه أمام المحاكم، للحصول على نفقة في مقابل تعنت الأبناء، إذ يحاول القاضي احراج الأبناء للإنفاق على آبائهم.
ويوضح أن النفقة تجب للأب والأم الفقيرين، وهي واجبة على الأبناء ذكورا واناثا من العاملين أو المقتدرين ماليا، موضحا في هذا السياق، ان النفقة هنا هي نفقة كفاية أي ما يكفيه ليعيش.
ويبين أن حكم النفقة، ليس بالضرورة ان يكون متساويا بين الأبناء، إذ يؤخذ بالاعتبار الفارق في الدخل بين الأبناء ومسؤولياتهم، أما الأب المقتدر، فلا توجب له النفقة بموجب القانون، وفقا للمعايطة الذي يرى انه برغم عدم وجوبها قانونيا، فإنها واجبة اخلاقيا على الابناء.
ويدعو الأبناء لمعالجة هذه الخلافات قبل وصولها للمحاكم، من باب البر بالوالدين، ويقول “ليس من مشهد أكثر ايلاما من ان تشاهد مسنا في المحاكم، يطلب النفقة من أبنائه”.
وبحسب الموقع الإلكتروني لدائرة الافتاء العام، فـ”رعاية الوالدين وبرهما، بخاصة عندما يكونان في حاجة لذلك، أمر أوجبه الشرع الحكيم لهما على أبنائهما ذكورا وإناثا، فالواجب على الأبناء أن يخدموا والديهم على أتم وجه، وهذا أمر يجب عليهم بالتساوي، وليس على أحدهم دون الآخر، وذلك بالقياس على واجبهم في الإنفاق.
وينص قانون الأحوال الشخصية الأردني على حكم نفقة الوالدين في المادة (197): “أ. يجب على الولد الموسر ذكرا كان أو أنثى كبيرا كان أو صغيرا نفقـة والديه الفقيرين ولو كانا قادرين على الكسب. وإذا كان الولد فقيرا لكنه قادر على الكسب يلزم بنفقة والديه الفقيرين، وإذا كان كسبه لا يزيد عن حاجته وحاجة زوجته وأولاده فيلزم بضم والديه إليه وإطعامهما مع عائلته”.
من ناحيته يوضح الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي، أن قضايا نفقة الآباء على الابناء، تبقى متدنية مقارنة بقضايا أخرى، وفي وقت يمكن فيه تفسير ذلك من ناحية إيجابية تتعلق برعاية كبار السن من ابنائهم، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون هناك رقم خفي لكبار في السن، يتمنع ابناؤهم عن الانفاق عليهم، لكنهم لم يتمكنوا او لم يرغبوا لسبب ما، الشكوى على أبنائهم.
ويرى مقدادي، أنه من الجوانب الإيجابية في المنظومة التشريعية الأردنية، وجود نصوص قانونية تغطي مسألة النفقة من الفروع تجاه الاصول او الآباء تجاه الابناء، لافتا كذلك الى نظام صندوق تسليف النفقة والذي يشمل الوالدين.
يشير مقدادي إلى إشكالية المبالغ التي يحكم بها للوالدين، والتي قد تكون زهيدة خصوصا لمن ليس لديهم أي دخل آخر، لافتا إلى متوسط أحكام النفقة والتي لا تتعدى الـ66 دينارا شهريا.
ويقول إن هذه الاحكام، قد تعكس الحالة الاقتصادية للابناء، لكن ذلك يدفع لإعادة النظر في ضمانات الحماية الاجتماعية لكبار السن، خصوصا وان الكثير منهم غير مشمولين بالتقاعد، وليس لديهم مصادر دخل مستقلة؟
ويزيد انه “لا بد من أن يكون هناك تدخل من الدولة، لتوفير الحماية الاجتماعية المناسبة لكبار السن، ليس فقط بتوفير دور ايواء لهم، بل وتوفير منظومة حماية اجتماعية متكاملة؛ تشمل العلاج اللائق، الرعاية، المسكن والغذاء”.
ويتابع إن “الوضع الطبيعي، ان تكون رعاية كبار السن أو الوالدين من ابنائهم، لكن في ظل الظروف الصعبة، يتوجب توفير حماية اجتماعية متكاملة لضمان حياة كريمة لهم”.
وبحسب الاستراتيجية الوطنية لكبار السن، فإن 54.1 % فقط من المسنين يشملهم التقاعد بكافة اشكالة وفق ارقام العام 2015، في حين أن 44.3 % من متقاعدي الضمان رواتبهم دون خط الفقر.
وتنص الإستراتيجية، على التوصية بانشاء صندوق لحماية كبار السن، يعمل على شراء خدمات طبية وإيوائية وتمريضية وارشاد نفسي متخصصة لكبار السن، وتزويدهم بالمعدات البصرية والسمعية.