ربط تطبيق “حقوق الطفل” بجداول زمنية يثير جدلا بين التشكيك والتأييد
02-16-2022
نادين النمري
عمان – دفع وضع مدد زمنية تصل إلى عشر سنوات لتنفيذ مضامين مسودة قانون حقوق الطفل، التي يتوقع إقرارها قريبا، بحقوقيين للمطالبة بالبدء بإجراءات حقيقية على أرض الواقع لتطبيق برنامج تأمين صحي للطفولة والزامية رياض الأطفال، في حين تخوف آخرون من أن يكون وضع هذه المدد هو تمهيد لإلغاء الالتزامات التي نصت عليها مسودة القانون.
غير أن الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي أكد في تصريحات لـ”الغد” ان وجود المدد أفضل لناحية ضمان إلزامية وتنفيذ القانون، لافتا إلى أن التعديلات لم تشمل فقط وضع مدد بل أيضا تسمية الجهات المسؤولة عن تنفيذ الالتزامات.
وكانت المسودة التي رفعت إلى مجلس الوزراء منذ آذار (مارس) 2019، عدل بعض بنودها بإضافة مدد زمنية بعشر سنوات لتطبيق الرعاية الصحية الأولية لجميع الأطفال على الأراضي الأردنية، وجعل مرحلة رياض الأطفال إلزامية، والتوسع بإنشائها لتغطي جميع المدارس.
ووفقا لمقدادي فإن الدافع وراء هذا التعديل هو مواجهة التحدي المالي، خصوصا ان دراسة الأثر المالي للقانون قدرت كلفته بنحو 78 مليون دينار، خصص منها لتغطية تعزيز الخدمات الصحية لشمول الأطفال غير المؤمنين بخدمات الرعاية الصحية الأولية 56 مليونا، ولتعزيز الخدمات التعليمية والتوسع نحو زيادة المراحل التعليمية الإلزامية بما فيها رياض الأطفال 21 مليون دينار.
وحظيت هذه التعديلات بقبول لدى خبراء، معتبرين أن وضع المدد الزمنية ربما يوفر ضمانة لتطبيق القانون، وهو أفضل أيضا من قانون لا يتم تطبيقه على أرض الواقع كما حال العديد من التشريعات الأخرى، في حين اعتبر رأي آخر أن تجميد الرعاية الصحية ورياض الأطفال هو إفراغ للقانون من محتواه.
واستغرب بعض أولئك الخبراء من تخوفات الحكومة من الكلف المالية للقانون، خصوصا وأن هذه الكلف على المدى القصير سيكون لها مردود أعلى بكثير خلال فترة وجيزة، لافتين بذلك إلى دراسة الأثر المالي للقانون.
ووفق الدراسة، التي أجرتها مؤسسة “أكسفورد بوليسي مانجمنت” لدراسة التكاليف لتنفيذ المشروع العام 2019، وتم تحديثها العام 2020، بالتعاون مع “شؤون الأسرة” ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وحصلت “الغد” على نسخة منها، فإن نتائج دراسة تقدير التكاليف تشير إلى وجود مُسوغ قوي للاستثمار في المشروع، اذ سيكون مقبولا من حيث التكلفة، ذلك أن الاستثمار المتوقع لتحقيق البرامج ذات الأولوية يشكل أقل من 1 % من إجمالي نفقات الموازنة للعام 2019.
وبينت الدراسة، انه يمكن تمويل البرامج ذات الأولوية، بموجب مشروع القانون هذا عبر جهود إعادة ترتيب الأولويات من جانب الحكومة، وعبر دعم الجهات المانحة.
وفي الوقت الذي ستكون هناك حاجة إلى تخصيص موارد على المدى القصير، لا سيما فيما يتعلق بتوسيع نطاق الوصول للرعاية الصحية، فإن الاستثمار في هذه المجالات سيحقق وفورات ملحوظة وسيعود بالفوائد مع مرور الوقت.
فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة توفير رعاية بديلة للأطفال في الأسر الحاضنة أقل بحوالي 12 مرة من تكلفة إيداعهم في مؤسسات رعاية، لذا فإن التحول من الرعاية المؤسسية إلى رعاية الأسرة الحاضنة سيؤدي إلى تحقيق وفورات كبيرة؛ ويمكن أن يؤدي الاستثمار في نظام الرعاية الصحية الأولية إلى تحقيق وفورات في الموارد ضمن النظام الصحي الثالثي.
وفي هذا السياق يقول الخبير في حقوق الطفل واستشاري الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان إن ما تم الإعلان عنه مؤخرا من توجه لتجميد تنفيذ النصوص الواردة في مشروع قانون حقوق الطفل المتعلقة بالرعاية الصحية والزامية رياض الأطفال عشر سنوات، هو أمر يفقد القانون قيمته ويفرغه من محتواه، فحقوق الطفل استحقاق شرعي وقانوني ودستوري وأممي، وهي متكاملة وكاملة، وغير قابلة للمساومة.
وتابع أن الحكومة هي الضامنة للحفاظ على حقوق مواطنيها وتمتع الاطفال بحقوقهم الإنسانية الأساسية في مجال الصحة والطفولة المبكرة والتعليم والوقاية من العنف، وبالتالي فان اقرار القانون كما هو والمباشرة بتنفيذه حاجة ماسة غير قابلة لوضعها ضمن اطر المدد الزمنية.
وتابع: “كان على الحكومة أن تلزم وزارة المالية بتوفير مستوى جيد من الموارد المالية من الميزانية المركزية بعيدا عن الهبات والمنح المؤقتة، وأن تلتزم علنا بتوفير ديمومة مالية لمشاريع حماية الطفل”.
من ناحيتها اشارت المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الانسان “ميزان” المحامية ايفا أبو حلاوة إلى دراسة الأثر المالي للقانون، موضحة أنه قد يترتب على القانون بعض التكاليف على المدى القصير لكن الاهم هو النظر إلى ما تضمنته الدراسة من مردود عال للقانون تحديدا في جانبي الصحة والتعليم.
وقالت إن “وضع مدد زمنية بحد ذاته قد يكون أمرا ايجابيا في حال الالتزام بمباشرة العمل وفق خطة واضحة فور إقرار القانون وضمن برنامج محدد بحيث نضمن ان يتم شمول جميع الاطفال بالرعاية الصحية الاولية والزامية رياض الاطفال”.
ولفتت أبو حلاوة إلى اشكالية التأخر في اصدار القانون، مشيرة إلى ان النسخة الاولى منه تم اعدادها في العام 1998 وبقيت حبيسة الأدراج، في حين ما تزال النسخة الأخيرة منه قيد المراجعة منذ ثلاث سنوات من دون إقرارها.
أما المحامي في منظمة النهضة العربية للديموقراطية والتنمية رامي قويدر فيرى أن تحديد مدة زمنية “أفضل من ان لا تكون هنالك مدة محددة، لكن السؤال ماهي أهمية المدة أيضا اذا لم يتم تنفيذ هذه الالتزامات وانتهت المدة؟”.
وتساءل: “ما الذي يترتب في حال عدم الالتزام بالمدد، وما هو الإجراء وعلى من تقع المسؤولية؟”.
ويتخوف قويدر من أنه في حال عدم الالتزام بالمدد الزمنية فقد يتم تعديل القانون وتمديد فترة التجميد مرة أخرى.. وهكذا!.
وبين ان اتفاقية حقوق الطفل عندما وضعت التزامات على الدول، لم تخصص مدة زمنية، بل طلبت أن يكون التنفيذ والعمل بها بشكل مباشر، وبالتالي يجب أن ينعكس هذا على القانون المحلي.